المحاسبة مجالٌ لا يقتصر فقط على الأرقام والجداول، بل هي منظومةٌ متكاملة تُترجم أداء المؤسسات إلى حقائق ماليّة يمكن البناء عليها في صنع القرارات. ومع التطور المستمر في البيئة الاقتصادية، باتت المعايير المحاسبية والضريبية أحد أهم الأسلحة التي تُمكِّن المحاسبين من إعداد تقارير مالية شفّافة، موثوقة، وقادرة على تلبية احتياجات جميع الأطراف ذات العلاقة.
في هذا المقال، سنستعرض سبعة عناصر محوريّة تُعدُّ أساسًا متينًا لكل من يسعى إلى احتراف المجال المحاسبي أو تعزيز معارفه فيه.
أهمية المعايير الدولية لإعداد القوائم المالية
تُعدّ المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية (IFRS) بمثابة مرجعية عالمية توفّر لغةً موحّدة للمحاسبين حول العالم. إذ تُمكِّن المؤسسات من عرض قوائمها المالية بطريقة واضحة ومتّسقة، وتساعد على تحسين إمكانية المقارنة بين الشركات المختلفة سواء على الصعيد المحلي أو الدولي.
تعزيز المصداقية: توحِّد المعايير الدولية المبادئ المحاسبية، مما يساعد على زيادة الثقة في البيانات المالية ويقلل من احتمالية التلاعب فيها.
جذب الاستثمارات: تسهّل هذه المعايير مهمة المستثمرين في فهم وتحليل النتائج المالية للشركات، ما يعزّز جاذبية المؤسسة للاستثمار المحلي والأجنبي.
تحسين حوكمة الشركات: عندما تكون هناك شفافية في عرض التقارير المالية، ينعكس ذلك إيجابًا على سمعة المؤسسة ويُرسِّخ مبادئ الحوكمة الرشيدة.
كيفية إعداد القوائم المالية وفقًا لمعيار المحاسبة الدولي (معيار رقم 1)
يركز معيار المحاسبة الدولي رقم (1) على عرض القوائم المالية، وهو أحد أهم المعايير التي تحدّد الشكل والمضمون العام للتقارير.
عناصر القوائم المالية: يجب أن تتضمن القوائم المالية الأساسية: قائمة المركز المالي (الميزانية العمومية)، قائمة الدخل الشامل، قائمة التغيّرات في حقوق الملكية، قائمة التدفقات النقدية، والإيضاحات المرفقة.
عرض واضح ومنظّم: ينص المعيار على ضرورة عرض المعلومات المالية بطريقة شفّافة ومفهومة، بحيث يسهل على قارئها تحديد الأداء المالي للمؤسسة في أي فترة محاسبية.
أهمية الثبات في العرض: يشترط المعيار التزام المحاسب بسياسات عرض واحدة من فترة لأخرى، مع إمكانية تعديلها في حال حدوث تغييرات جوهرية يجب الإفصاح عنها بوضوح.
التحليل المتعمق لقائمة التدفقات النقدية (معيار رقم 7)
تُعَد قائمة التدفقات النقدية واحدة من أهم الأدوات المالية التي تكشف الواقع الحقيقي للنقدية داخل المنشأة، وهو ما يُسهِّل عملية اتخاذ القرارات.
أنشطة التشغيل: يعرض هذا الجزء تدفقات النقد المتعلقة بالعمليات التشغيلية الأساسية، مثل تحصيل المبيعات ودفع المصروفات التشغيلية.
أنشطة الاستثمار: يتناول التدفقات النقدية الناشئة عن شراء وبيع الأصول الثابتة أو الاستثمارات طويلة الأجل.
أنشطة التمويل: يركز على حركة النقد المتأثرة بالقروض وإصدار الأسهم وتوزيع الأرباح.
هذا التحليل ضروريّ لتقدير سيولة المنشأة وقدرتها على تمويل عملياتها ومشروعاتها المستقبلية دون ضغوط مالية كبيرة.
السياسات المحاسبية والتقديرات والأخطاء (معيار رقم 8)
يعدّ معيار المحاسبة الدولي رقم (8) محورًا أساسيًا لفهم كيفية وضع السياسات المحاسبية ومعالجة التغييرات فيها. كما يوضّح إجراءات تصويب الأخطاء المحاسبية والتفرقة بينها وبين التقديرات.
وضع السياسات المحاسبية: تحدِّد السياسات المحاسبية الأسس التي يتّبعها المحاسب في قياس وتسجيل البيانات المالية. ويتطلب وضعها مراعاة المعايير المحاسبية الدولية ذات الصلة.
التقديرات المحاسبية: غالبًا ما يواجه المحاسب حالات تتطلب تقديرًا (مثل العمر الإنتاجي للأصول)، ولا بد من التحلّي بالحذر ومراجعة التقديرات دوريًا عند ظهور معلومات جديدة.
تصحيح الأخطاء: يجب تصويب الأخطاء المحاسبية بأثر رجعي إذا كانت جوهرية، مع الإفصاح عن طبيعة الخطأ وتأثيره على الفترات السابقة، حفاظًا على مصداقية القوائم المالية.
الأحداث اللاحقة لتاريخ الميزانية (معيار رقم 10)
يُعنى معيار رقم (10) بالأحداث التي تقع بين تاريخ الميزانية وموعد إصدار القوائم المالية، والتي قد تؤثر على قرارات المستخدمين.
الأحداث المعدِّلة: وهي الأحداث التي تؤكِّد ظروفًا كانت قائمةً بالفعل في تاريخ الميزانية. يجب تعديل الأرقام في القوائم المالية لتعكس هذه الأحداث.
الأحداث غير المعدِّلة: وهي الأحداث التي تشير إلى ظروف نشأت بعد تاريخ الميزانية، ولا تستلزم تعديل الأرقام، ولكن يجب الإفصاح عنها في الإيضاحات لتجنّب تضليل المستخدمين.
فهم هذه الفروقات يُساعد المحاسب على التزام الدقة والشفافية عند إصدار القوائم، كما يجنِّب المتعاملين أي مفاجآت غير متوقعة.
تأثير ضريبة الدخل وضريبة الاستقطاع على القوائم المالية
مع تطوّر الأنظمة الضريبية حول العالم، أصبحت ضريبة الدخل وضريبة الاستقطاع عنصرين حاسمين في تقارير المؤسسات المالية.
ضريبة الدخل: تنعكس على قائمة الدخل باعتبارها مصروفًا يجب احتسابه وفق الأنظمة المعمول بها. كما تؤثر على الأرباح المتاحة للتوزيع.
ضريبة الاستقطاع: تفرض عند دفع مبالغ لجهات غير مقيمة في الدولة، وهي تختلف من بلدٍ لآخر. يجب الإفصاح عنها بوضوح في القوائم المالية، تجنّبًا للمساءلات القانونية والضريبية.
الإلمام باللوائح والأنظمة الضريبية يساعد المحاسب في إعداد تقارير مالية دقيقة ويضمن compliance (الامتثال) الضريبي من دون تكبّد غرامات أو مخاطر.
آليات تطبيق ضريبة القيمة المضافة على القوائم المالية
تُعَد ضريبة القيمة المضافة (VAT) من أحدث الضرائب المفروضة في عدد كبير من البلدان العربية، وتتطلب عناية خاصة في العمليات المحاسبية.
التسجيل في النظام الضريبي: يجب على المنشأة التأكّد من التزامها بالتسجيل في ضريبة القيمة المضافة بمجرد تجاوزها حدًا معيّنًا من المبيعات السنوية.
الاعتراف بالإيراد وتسجيل المشتريات: عند إصدار فاتورة أو شراء مواد، يجب تحديد مقدار الضريبة بدقة وخصمها أو إضافتها وفق السياسة المعمول بها.
التقارير الدورية: تُلزم الجهات الضريبية الشركات بتقديم إقرارات دورية توضح ما لديها من ضريبة قيمة مضافة تم تحصيلها أو دفعها، مما يتطلب نظامًا ماليًا مُحْكمًا لرصد كل معاملة على حدة.
إن العمل المحاسبي في تطوّرٍ مستمر، وما هذه النقاط السبع إلا البداية في مسيرة لا تنتهي من التعلم والتطوير. يُسهم امتلاك معرفة متعمقة بالمعايير الدولية وتأثير الضرائب بجميع أنواعها في بناء أساس متين للارتقاء بالمسار المهني لأي محاسب. فالقدرة على إعداد القوائم المالية بشكلٍ صحيح، وتحليل تدفقاتها النقدية، والتعامل مع أحداث لاحقة وتقديرات محاسبية، ما هي إلا أدوات لا غنى عنها لأي شخصٍ يسعى للتميّز في عالم المحاسبة. ومن خلال الاستمرار في الاطلاع على أحدث التحديثات في الأنظمة المحاسبية والضريبية، سيجد المحاسب نفسه في مقدمة الركب، قادرًا على تقديم قيمة مضافة حقيقية للمؤسسات التي ينتمي إليها.
https://fatc.sa/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d9%88%d9%86%d8%a9//span>