مركز مستقبل المحاسبة

جسر التواصل: كيف تتفاهم مع المحاسب بدون مترجم – دليل للمديرين

التواصل بين المدير والمحاسب

المقدمة: تمهيد للمشهد: تحدي التواصل بين المدير والمحاسب

كثيراً ما يشعر المديرون، خاصة أولئك الذين لا يمتلكون خلفية مالية، بوجود فجوة في التواصل بينهم وبين أقسام المحاسبة والمالية في شركاتهم. هذا الشعور بأن هناك حاجة “لمترجم” لفهم لغة الأرقام والتقارير المالية هو تحدٍ تنظيمي شائع ومعروف. ينبع هذا التحدي من الاختلافات الجوهرية في طبيعة التركيز والأولويات بين المديرين الذين يركزون على العمليات التشغيلية والنمو، والمحاسبين الذين ينصب اهتمامهم على الرقابة المالية، والامتثال للقوانين، ودقة البيانات.

إن تجاوز هذا التحدي لا يقتصر على تجنب الإحباط المتبادل فحسب، بل هو أمر حيوي لاتخاذ قرارات سليمة، وتخصيص الموارد بكفاءة، وإدارة المخاطر بفعالية، وتحقيق النجاح الشامل للمؤسسة. فسوء التواصل يمكن أن يؤدي إلى تجاوز الميزانيات المخصصة، وضياع فرص استثمارية قيمة، وعدم التوافق الاستراتيجي بين الأقسام المختلفة، مما يؤثر سلباً على الأداء العام.

يهدف هذا التقرير إلى تزويد المديرين غير الماليين باستراتيجيات ورؤى عملية وقابلة للتطبيق من أجل:

  • فهم الأسباب الجذرية لصعوبات التواصل مع القسم المالي.
  • تعلم المصطلحات المالية الأساسية ذات الصلة بأدوارهم الإدارية.
  • تطوير تقنيات تواصل فعالة وبناءة.
  • تفسير الإشارات والتحذيرات الضمنية التي قد يرسلها زملاؤهم في قسم المحاسبة.
  • بناء شراكة عمل أكثر إنتاجية وتعاونية مع القسم المالي.

القسم الأول: فهم الانقسام: لماذا ينهار التواصل؟

لفهم كيفية بناء جسور التواصل، يجب أولاً تشخيص أسباب الانقسام القائم. هناك عدة عوامل رئيسية تساهم في صعوبة التفاهم بين المديرين والمحاسبين.

1.1 لغات مختلفة: المصطلحات المتخصصة مقابل لغة التشغيل

أحد أبرز العوائق هو استخدام لغتين مختلفتين. يعتمد المحاسبون على مصطلحات فنية دقيقة لضمان الوضوح والامتثال للمعايير المحاسبية والقوانين. مصطلحات مثل “المستحقات” (Accruals)، “الإهلاك” (Depreciation)، “الاستهلاك” (Amortization)، أو “المخصصات” (Provisions) هي جزء أساسي من لغتهم المهنية، وهي ضرورية لوصف الوضع المالي بدقة. لكن بالنسبة للمدير غير المالي، قد تبدو هذه المصطلحات معقدة وغير مفهومة، أشبه بلغة أجنبية.
في المقابل، يركز المديرون على مصطلحات تتعلق بالعمليات اليومية مثل “مراحل إنجاز المشروع”، “اكتساب العملاء”، “أهداف الإنتاج”، أو “الحصة السوقية”. هذا الاختلاف اللغوي ليس محاولة متعمدة من أي طرف لتعقيد الأمور، بل هو نتاج طبيعي لاختلاف الخلفيات التعليمية، ومجالات التركيز، والمتطلبات المهنية لكل دور. يكمن التحدي الحقيقي في إيجاد طريقة لسد هذه الفجوة اللغوية وتعزيز الفهم المتبادل.

1.2 تضارب الأولويات ووجهات النظر تنشأ صعوبات التواصل أيضاً من اختلاف الأولويات ووجهات النظر بين الفريقين:
  • النمو مقابل الرقابة: غالباً ما يكون تركيز المديرين منصباً على تحقيق النمو، والابتكار، وزيادة الحصة السوقية، وتنفيذ المشاريع بسرعة وكفاءة. بينما يميل المحاسبون، بحكم طبيعة دورهم، إلى إعطاء الأولوية للرقابة المالية، والدقة، وتقليل المخاطر، وضمان الامتثال للوائح والقوانين. هذا الاختلاف في التركيز يمكن أن يؤدي إلى احتكاك عند مناقشة الميزانيات أو الاستثمارات الجديدة.

  • المستقبل مقابل الماضي: تنظر المحاسبة الإدارية بشكل كبير نحو المستقبل، حيث تركز على التخطيط وإعداد الميزانيات التقديرية وتوفير المعلومات لدعم القرارات المستقبلية. في المقابل، تركز المحاسبة المالية بشكل كبير على تسجيل وتحليل وتقديم تقارير عن الأداء المالي السابق للشركة. يحتاج المديرون إلى بيانات وتوقعات مستقبلية لاتخاذ قراراتهم، بينما يجب على المحاسبين التأكد من دقة البيانات التاريخية لأغراض إعداد التقارير المالية الرسمية والامتثال. هذا الاختلاف في التوجه الزمني يمكن أن يسبب سوء فهم حول طبيعة المعلومات المطلوبة وتوقيت توفيرها.

  • التركيز على التفاصيل: يتطلب عمل المحاسبين غالباً درجة عالية من الدقة والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة لضمان صحة السجلات المالية وإمكانية مراجعتها وتدقيقها لاحقاً. قد يفضل المديرون الحصول على ملخصات عالية المستوى ورؤية الصورة الكبيرة دون الغوص في التفاصيل المعقدة. هذا التباين في مستوى التفاصيل المطلوب يمكن أن يسبب إحباطاً لكلا الطرفين؛ فقد يرى المدير أن المحاسب يغرق في التفاصيل غير المهمة، بينما يرى المحاسب أن المدير يتجاهل تفاصيل حيوية لضمان الدقة والمصداقية.

1.3 نظرة المحاسب للعالم: الامتثال، والمخاطر، والدقة

من الضروري أن يفهم المديرون أن المحاسبين يعملون ضمن أطر تنظيمية ومعايير محاسبية صارمة، سواء كانت محلية أو دولية. تركيزهم على القواعد والإجراءات ليس تعنتاً أو بيروقراطية غير مبررة، بل هو جزء لا يتجزأ من مهنتهم لضمان الشفافية والموثوقية المالية.

يتمثل دورهم الأساسي في حماية أصول الشركة وضمان نزاهة التقارير المالية. وهذا يتضمن بطبيعة الحال تحديد وتقييم وإدارة المخاطر المالية المختلفة التي قد تواجه الشركة، مثل مخاطر الائتمان، مخاطر السوق، أو حتى مخاطر الاحتيال. الضغط المستمر لتحقيق الدقة المطلقة مفهوم، حيث إن الأخطاء في السجلات أو التقارير المالية يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة، سواء كانت غرامات مالية، أو مسائل قانونية، أو فقدان لثقة المستثمرين. هذا يفسر سبب تمسكهم بالتفاصيل والإجراءات المحددة.

لذلك، فإن الإجراءات التي قد ينظر إليها المديرون على أنها “صلابة” أو “بطء” في الاستجابة، مثل طلب وثائق تفصيلية، أو التحقق من الافتراضات بدقة، أو الإصرار على اتباع إجراءات معينة، هي في الغالب خطوات ضرورية يجب على المحاسبين اتخاذها للوفاء بمسؤولياتهم المهنية وتخفيف المخاطر الموثقة التي تواجه المنظمة. إن فهم هذا المنظور يحول نظرة المدير من رؤية المحاسب كعائق أمام تحقيق الأهداف إلى رؤيته كنقطة تفتيش ضرورية لضمان سلامة المسار.

1.4 مزالق التواصل الشائعة بالإضافة إلى الاختلافات الجوهرية، هناك بعض المزالق الشائعة التي تعيق التواصل الفعال:
  • انعدام الثقة: عندما تنعدم الثقة بين الأقسام، يصبح التواصل حذراً ومحدوداً. قد يتردد المديرون في مشاركة السياق التشغيلي الكامل، وقد يكون المحاسبون أقل استعداداً لتقديم رؤى استباقية، مما يؤدي إلى خلق صوامع معلوماتية وبيئة عمل غير صحية.

  • التواصل غير المنتظم أو القائم على رد الفعل: الاقتصار على التواصل مع القسم المالي فقط خلال فترات إعداد الميزانية أو عند ظهور مشكلات كبيرة يمنع بناء علاقات قوية وحل المشكلات بشكل استباقي.

  • الافتراضات المسبقة: يفترض المديرون أحياناً أن القسم المالي يفهم تماماً التفاصيل الدقيقة للعمليات التشغيلية وتأثيراتها، بينما قد يفترض المحاسبون أن المديرين يدركون الآثار المالية لقراراتهم دون الحاجة إلى شرح مفصل.

 

  • ضعف هياكل التعاون: عدم وجود عمليات واضحة أو منصات مشتركة للتواصل وتبادل البيانات بين الإدارات يمكن أن يؤدي إلى تأخير وفقدان للمعلومات الهامة.

القسم الثاني: سد الفجوة: نصائح عملية للتواصل للمديرين

بمجرد فهم أسباب صعوبات التواصل، يمكن للمديرين اتخاذ خطوات عملية ومدروسة لسد هذه الفجوة وتحسين التفاعل مع زملائهم في القسم المالي.

2.1 تعلم المفردات المالية الأساسية (دون أن تصبح محاسباً)

الهدف هنا ليس أن يصبح المدير خبيراً مالياً، بل أن يكتسب معرفة عملية بالمصطلحات الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر على دوره ومسؤولياته، مثل إدارة الميزانية، وتقييم المشاريع، وتتبع الأداء. فهم هذه المصطلحات يزيل حاجز اللغة ويمكّن المدير من المشاركة في المناقشات المالية بثقة أكبر.
فيما يلي شرح مبسط لبعض المصطلحات المالية الهامة للمديرين:

  • الميزانية والانحراف (Budget & Variance): الميزانية هي الخطة المالية المعتمدة لفترة معينة. الانحراف هو الفرق بين الأرقام الفعلية وأرقام الميزانية. فهم الانحرافات يساعد المدير على معرفة أين تجاوز الإنفاق أو قصر عن التقديرات، وتحديد أسباب ذلك.

  • التدفق النقدي (Cash Flow): يمثل حركة النقد الداخل والخارج من الشركة. هو شريان الحياة لأي عمل تجاري، ويختلف عن الربح. قد تكون الشركة رابحة على الورق ولكن تواجه صعوبات إذا لم يكن لديها نقد كافٍ لتغطية التزاماتها الفورية. فهم التدفق النقدي يساعد المدير على تقدير مدى توفر السيولة لتنفيذ الخطط التشغيلية.

  • أساس الاستحقاق مقابل الأساس النقدي (Accruals vs. Cash Accounting): معظم الشركات تستخدم أساس الاستحقاق، الذي يعني تسجيل الإيرادات عند اكتسابها (وليس عند استلام النقد) وتسجيل المصروفات عند تكبدها (وليس عند دفع النقد). هذا يعطي صورة أدق عن الأداء المالي خلال فترة معينة، ولكنه قد يختلف عن الوضع النقدي الفعلي.
  • النفقات الرأسمالية (CapEx) مقابل النفقات التشغيلية (OpEx): النفقات الرأسمالية هي استثمارات كبيرة في أصول طويلة الأجل (مثل الآلات والمباني)، بينما النفقات التشغيلية هي التكاليف اليومية لتسيير الأعمال (مثل الرواتب والإيجار). لكل منهما معالجة محاسبية مختلفة وتأثير مختلف على الميزانية والتقارير المالية.
  • العائد على الاستثمار (ROI): مقياس يستخدم لتقييم مدى جدوى وربحية استثمار معين. يساعد المديرين على تبرير طلبات الميزانية للمشاريع الجديدة وإظهار قيمتها المالية المتوقعة.
  • مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs): مقاييس مالية وغير مالية تُستخدم لتتبع الأداء في مجال معين. بالنسبة للمدير، قد تشمل مؤشرات مثل تكلفة الوحدة المنتجة، أو تكلفة اكتساب العميل، أو هامش الربح لمنتج معين.

2.2 التحضير للمناقشات المالية

الدخول في اجتماع مع القسم المالي دون تحضير مسبق هو وصفة لسوء الفهم والإحباط. يمكن للمديرين زيادة فعالية هذه الاجتماعات من خلال:

  • أداء الواجب المنزلي: قبل الاجتماع، يجب مراجعة التقارير ذات الصلة (مثل تقارير الميزانية، ملخصات الأداء) وفهم الأرقام الخاصة بقسمك أو مشروعك.

  • تحديد الهدف بوضوح: كن واضحاً بشأن ما تسعى لتحقيقه من الاجتماع. هل تحتاج إلى معلومات محددة؟ موافقة على ميزانية؟ نصيحة بشأن قرار مالي؟

  • جمع البيانات الداعمة: أحضر معك البيانات التشغيلية التي توفر سياقاً للأرقام المالية. على سبيل المثال، إذا كنت تناقش توقعات الإيرادات، أحضر بيانات عن خط أنابيب المبيعات. إذا كنت تناقش نفقات مشروع، أحضر جدولاً زمنياً للمشروع يوضح توقيت الإنفاق. هذا يساعد في ربط العالم التشغيلي بالعالم المالي.

  • توقع الأسئلة: فكر مسبقاً في الأسئلة التي من المحتمل أن يطرحها المحاسب. غالباً ما سيرغبون في معرفة مبررات الإنفاق، وتقييم المخاطر المرتبطة، والعائد المتوقع على الاستثمار. الاستعداد لهذه الأسئلة يوفر الوقت ويظهر أنك فكرت في الجوانب المالية.

2.3 طرح الأسئلة الفعالة

طريقة طرح الأسئلة يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً في جودة المعلومات التي تحصل عليها:

  • كن محدداً: بدلاً من سؤال عام مثل “هل الميزانية جيدة؟”، اطرح سؤالاً محدداً مثل: “كيف هو أداؤنا مقارنة بميزانية السفر للربع الثالث، وما هي الانحرافات المتوقعة بناءً على الحجوزات الحالية؟”
  • تجاوز أسئلة نعم/لا: اطرح أسئلة مفتوحة تشجع على الشرح والتفصيل. أسئلة مثل “لماذا؟”، “ما هي الافتراضات وراء هذه التوقعات؟”، “ما هي أكبر المخاطر التي تراها؟”، “هل يمكنك شرح كيفية حساب هذا الرقم؟” تساعد في فهم أعمق.
  • ركز على الفهم: صغ أسئلتك بطريقة تظهر رغبتك في التعلم والفهم، وليس التحدي أو الدفاع. جملة مثل “ساعدني على فهم سبب ضرورة هذا الاستحقاق هذا الشهر” تكون أكثر إيجابية من “لماذا يجب أن نسجل هذا الآن؟”.
2.4 الاستماع النشط وطلب التوضيح

التواصل الفعال هو طريق ذو اتجاهين. لا يقل الاستماع أهمية عن التحدث:

  • استمع بانتباه كامل: تجنب مقاطعة المحاسب أو التفكير في ردك أثناء حديثه. ركز على فهم وجهة نظره بالكامل.
  • أعد الصياغة: كرر ما سمعته بكلماتك الخاصة للتأكد من فهمك الصحيح. يمكنك أن تقول: “إذا فهمت بشكل صحيح، فأنت تقول إن…”
  • لا تتظاهر بالفهم: إذا لم تفهم مصطلحاً أو مفهوماً، اطلب التوضيح فوراً. من الأفضل طلب التوضيح بدلاً من بناء قرارات على افتراضات خاطئة.
  • دوّن الملاحظات: سجل النقاط الرئيسية للمناقشة، والقرارات المتخذة، والبنود التي تحتاج إلى متابعة. هذا يساعد على تجنب سوء الفهم لاحقاً ويضمن متابعة المهام المتفق عليها.

القسم الثالث: بناء شراكة مالية تعاونية

إن الهدف النهائي ليس مجرد فهم المحاسب، بل بناء علاقة عمل قوية وتعاونية معه ومع القسم المالي ككل. هذه الشراكة لا تحدث تلقائياً، بل تتطلب جهداً واعياً من كلا الطرفين، ويمكن للمدير أن يلعب دوراً رئيسياً في بنائها.

4.1 تأسيس الثقة والشفافية

الثقة هي حجر الزاوية لأي علاقة عمل ناجحة، وهي ضرورية بشكل خاص بين الأقسام التي تعتمد على بعضها البعض مثل التشغيل والمالية. يمكن للمديرين بناء الثقة من خلال:

  • كن استباقياً في مشاركة المعلومات: لا تنتظر حتى يسأل القسم المالي. شارك التحديثات التشغيلية الهامة (الجيدة والسيئة) التي قد تؤثر على الأرقام المالية بمجرد معرفتك بها. هذا يبني المصداقية ويظهر أنك لا تخفي شيئاً.

  • اعترف بالأخطاء: إذا ارتكب قسمك خطأ له تأثير مالي، كن صريحاً بشأنه وناقش الإجراءات التصحيحية المتخذة. محاولة إخفاء المشاكل تدمر الثقة بسرعة.
  • شارك السياق: اشرح “السبب” وراء طلبات الميزانية أو القرارات التشغيلية. ساعد القسم المالي على فهم التحديات والفرص في عالمك التشغيلي. هذا يعزز الفهم المتبادل.

  • احترم السرية: أدرك أن القسم المالي يتعامل مع معلومات حساسة للغاية. احترم حدود السرية ولا تضغط للحصول على معلومات لا يحق لك الاطلاع عليها.
4.2 إيجاد أرضية مشتركة: مواءمة الأهداف
غالباً ما ينشأ الصراع عندما تعمل الأقسام في صوامع منعزلة بأهداف تبدو متعارضة. يمكن تجاوز ذلك من خلال:
  • فهم استراتيجية الشركة: تأكد من أن أهداف قسمك وخططك التشغيلية تتماشى مع الأهداف المالية والاستراتيجية العامة للشركة.

  • صياغة الطلبات بلغة الأعمال: عند طلب ميزانية أو موارد، قم بتبرير احتياجاتك بناءً على العائد المتوقع، أو التوافق مع الاستراتيجية، أو تخفيف المخاطر، وليس فقط على أساس الضرورة التشغيلية. أظهر كيف سيساهم طلبك في تحقيق أهداف الشركة الأوسع.

  • اطلب مدخلات القسم المالي مبكراً: قم بإشراك القسم المالي في مراحل التخطيط المبكرة للمشاريع أو المبادرات الكبرى، وليس فقط عندما يحين وقت طلب الموافقة النهائية. يمكن لمدخلاتهم المبكرة أن تساعد في تحديد المشكلات المحتملة وتجنب العقبات لاحقاً.

يظهر التعاون الحقيقي عندما يرى كل من المدير والمحاسب كيف تساهم أدوارهما المنفصلة في تحقيق نفس الأهداف التجارية الشاملة (مثل الربحية، والنمو المستدام، وإدارة المخاطر). إن تحويل العقلية من التركيز على الصوامع الإدارية إلى الأهداف المشتركة هو المفتاح. يسلط الضوء على التأثير السلبي للفرق ذات الأولويات المنفصلة. يصف كيف تدعم المحاسبة التخطيط الشامل للأعمال والرقابة واتخاذ القرارات. ويذكر ربط الاستراتيجية بالتخطيط المالي. لذلك، يتطلب تعزيز التعاون من المديرين ربط خططهم التشغيلية وطلبات الموارد بشكل صريح بالاستراتيجية الأوسع للشركة والأهداف المالية التي يكلف فريق المحاسبة بمراقبتها ودعمها. وهذا يعيد صياغة التفاعل من مفاوضات بين مصالح متعارضة إلى شراكة نحو أهداف مشتركة.

4.3 التواصل الاستباقي والمنتظم

العلاقات القوية تُبنى على التواصل المستمر، وليس فقط عند الضرورة:

  • جدولة لقاءات منتظمة: لا تنتظر دورات الميزانية الرسمية للتحدث مع القسم المالي. اجتماعات قصيرة ومنتظمة (حتى 15-30 دقيقة شهرياً) يمكن أن تساعد في الحفاظ على التوافق ومعالجة المشكلات في وقت مبكر. ضع في اعتبارك التفاعلات الرسمية وغير الرسمية.

  • استخدم القنوات المناسبة: افهم متى يكون البريد الإلكتروني كافياً ومتى تكون هناك حاجة لمكالمة هاتفية أو اجتماع مباشر لمناقشة الأمور المعقدة أو الحساسة. استخدم أدوات التعاون المتاحة إذا كانت متوفرة لتبادل المعلومات بكفاءة.

  • قدم ملاحظات بناءة: إذا كانت التقارير المالية أو العمليات غير واضحة أو غير مفيدة لاتخاذ قراراتك، قدم ملاحظات بناءة حول كيفية تحسينها.
4.4 تقدير القيمة: المالية كشركاء استراتيجيين

لتحقيق شراكة حقيقية، يجب على المديرين تغيير نظرتهم للقسم المالي:

  • غيّر التصور: لا تنظر إلى فريق المالية كمجرد منفذين للقواعد أو مدخلي أرقام، بل كشركاء يمكنهم تقديم رؤى قيمة لتحسين عملية صنع القرار.

  • استفد من خبراتهم: اطلب تحليلهم للآثار المالية للسيناريوهات التشغيلية المختلفة. استفد من مهاراتهم في التنبؤ المالي وتقييم المخاطر. يمكنهم مساعدتك في رؤية الصورة الأكبر.

  • قدّر تحدياتهم: كن على دراية بأعباء عملهم، والمواعيد النهائية الضيقة، والضغوط التي يواجهونها، خاصة خلال فترات إغلاق الحسابات أو التدقيق. القليل من التعاطف يمكن أن يقطع شوطاً طويلاً في بناء علاقة إيجابية.

إن استثمار الوقت في بناء علاقة جيدة وفهم وظيفة فريق المالية يمكن أن يحقق عوائد كبيرة من حيث الحصول على دعم أفضل، واستجابات أسرع، وتوجيه مالي أكثر تبصراً، مما يحسن في النهاية فعالية المدير نفسه. تؤكد على أهمية الثقة والتعاون لفعالية الفريق. وتفصل وظائف الدعم التحليلي والاستراتيجي القيمة التي تقدمها المحاسبة بما يتجاوز مجرد تسجيل المعاملات. لذلك، فإن المدير الذي يبني بنشاط علاقة إيجابية (من خلال الشفافية والتواصل المنتظم وطلب المدخلات) من المرجح أن يتلقى نصائح استباقية، ويستفيد من القدرات التحليلية لفريق المالية، ويتعامل مع العمليات المالية بسلاسة أكبر، مقارنة بالمدير الذي يحافظ على علاقة معاملاتية بحتة أو عدائية. جودة العلاقة تؤثر بشكل مباشر على جودة الخدمة المستلمة.

الخاتمة: نحو فهم متبادل وقرارات أفضل

يمثل التواصل الفعال بين المديرين غير الماليين وأقسام المحاسبة تحدياً شائعاً، ولكنه ليس مستعصياً على الحل. من خلال فهم وجهات النظر المختلفة، وتعلم المصطلحات المالية الأساسية، وتطبيق تقنيات التواصل الواضحة والاستباقية، وتفسير الإشارات التحذيرية بذكاء، وبناء علاقات قائمة على الثقة والتعاون، يمكن للمديرين سد هذه الفجوة بنجاح.

إن الاستراتيجيات المقترحة في هذا التقرير – بدءاً من فهم سبب “صلابة” المحاسب كجزء من مسؤوليته المهنية، مروراً بتعلم المفردات الأساسية وتفسير “نبرة” التحذير كإشارة مبكرة للمخاطر، وصولاً إلى بناء شراكة حقيقية من خلال الشفافية والتواصل المنتظم – تهدف جميعها إلى تحويل العلاقة من علاقة قائمة على سوء الفهم المحتمل إلى علاقة شراكة مثمرة.

إن تحسين قناة الاتصال هذه لا يعود بالفائدة على المدير وحده (من خلال قرارات أفضل وعمليات أكثر سلاسة) أو على المحاسب وحده (من خلال الحصول على سياق أفضل للبيانات وتعاون أسهل)، بل يعود بالفائدة على المنظمة ككل من خلال تحسين الكفاءة التشغيلية، وتعزيز الشفافية، وتمكين اتخاذ قرارات استراتيجية أكثر استنارة.

يتطلب بناء هذا الجسر جهداً مستمراً والتزاماً بالتعلم المتبادل وتطوير العلاقات. إنها ليست مهمة تنتهي بمجرد قراءة تقرير، بل هي عملية مستمرة تتطلب ممارسة وصبر. ومع ذلك، فإن الخطوات الأولى نحو فهم لغة المحاسب والتواصل معه بفعالية هي خطوات حاسمة نحو إدارة أكثر كفاءة ونجاحاً للمؤسسة بأكملها. نشجع المديرين على البدء في تطبيق هذه النصائح والمبادئ لبناء جسور تواصل قوية ومستدامة مع زملائهم في القسم المالي.

تابعنا على فيسبوك https://fatc.sa/

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *