مركز مستقبل المحاسبة

السعودية تعيد رسم ملامح ضريبة التصرفات العقارية: تحليل شامل لتعديلات ما بعد 2024 وتأثيرها المحاسبي

ضريبة التصرفات العقارية

مقدمة: تحول استراتيجي في البيئة العقارية السعودية

شهدت السوق العقارية في المملكة تحولًا جذريًا مع صدور نظام ضريبة التصرفات العقارية الجديد في سبتمبر 2024، واللائحة التنفيذية في مارس 2025، ليبدأ التطبيق الفعلي في أبريل 2025. هذا النظام جاء لتكريس الشفافية، وتوسيع قاعدة الإيرادات غير النفطية، مع تعزيز الرقابة والامتثال في قطاع حساس يشهد حركة استثمارية كبيرة.

جوهر التحديثات: إعادة رسم قواعد اللعبة الضريبية

العقارية يحتفظ النظام الجديد بنسبة الضريبة الأساسية عند 5% على التصرفات العقارية الخاضعة، محسوبة على قيمة العقار المتفق عليها، شريطة ألا تقل عن القيمة السوقية العادلة وقت التصرف. تشمل التصرفات الخاضعة البيع، والوصية (غير المعفاة)، وعقود الإجارة المنتهية بالتمليك، وعقود الانتفاع طويلة الأمد (فوق 50 عاماً).


أحد أبرز التحديثات هو توسيع نطاق مفهوم “العقار” ليشمل ليس فقط الأرض والبناء، بل وأي منقولات يضعها المالك لخدمة العقار أو استغلاله بشكل دائم، حتى لو لم تكن مثبتة بشكل دائم. كما تُدرج قيمة التصاريح الأصلية والفرعية والحقوق العينية المرتبطة بالعقار ضمن القيمة الخاضعة للضريبة. هذا يتطلب من المحاسبين تقييماً دقيقاً لهذه العناصر، مما قد يزيد تعقيد التقييم، فمثلاً عند بيع فندق، يشمل التقييم الأثاث والتجهيزات الأساسية المخصصة لتشغيله.

الشركات العقارية ونقل الأسهم: قواعد جديدة وحاسمة

أرسى النظام الجديد قواعد واضحة لتحديد “الشركة العقارية” وخضوع نقل أسهمها للضريبة. تُعرّف “الشركة العقارية” بأنها أي كيان يمتلك عقارات في المملكة بهدف توليد إيرادات منها (بيع أو تأجير)، شريطة ألا تقل القيمة السوقية العادلة لتلك العقارات عن 50% من إجمالي القيمة السوقية العادلة لجميع أصول الشركة في تاريخ نقل الأسهم أو خلال الـ 365 يوماً السابقة.


أما القاعدة الجوهرية لنقل الأسهم فهي “قاعدة الـ 30%”: يخضع نقل ملكية حصص في “شركة عقارية” للضريبة إذا قام شخص بمفرده، أو مجموعة أشخاص يتصرفون بالاتفاق، ببيع ما مجموعه 30% أو أكثر من أسهم الشركة.
تُحتسب هذه النسبة على مدى ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ وصول ملكية هؤلاء الأشخاص (مجتمعين أو منفردين ضمن اتفاق) إلى 30% أو أكثر. نقل الأسهم بنسبة أقل من 30% لا يُعد تصرفاً خاضعاً بموجب هذه القاعدة. هذا التعديل محوري، حيث يوفر عتبة واضحة وفترة زمنية محددة وشرط “التصرف بالاتفاق”. ولمواجهة التحايل، أُدخلت تعريفات لـ “التصرفات المرتبطة” و”التصرف بالاتفاق”.


تستدعي هذه التحديثات تقييماً مستمراً لأصول الشركة وتتبعاً لنسب الأسهم المنقولة وهوية البائعين، مما يزيد العبء على المحاسبين والمقيمين ويتطلب أنظمة محاسبية دقيقة.

خارطة الإعفاءات الضريبية: مستجدات وشروط دقيقة

يقدم النظام الجديد ولائحته خارطة مُفصلة للإعفاءات، بعضها مستمر مع توضيح أدق للشروط، وبعضها إضافات نوعية.

الإعفاءات المستمرة مع التأكيد على شروطها:

المسكن الأول للمواطن السعودي: تتحمل الدولة الضريبة بما لا يتجاوز مليون ريال من قيمة العقار، بشروط منها أن يكون المشتري سعودياً، والعقار هو المسكن الأول فعلياً، وألا تتجاوز قيمته مليون ريال (وإلا يُعفى المليون الأول فقط). يتطلب شهادة من وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان.

قسمة التركة: يُعفى التصرف الناتج عن قسمة التركة بين الورثة وفقاً للأنصبة الشرعية. لا يشمل بيع حصص الورثة لأطراف أخرى لاحقاً.

الهبة للأقارب حتى الدرجة الثالثة: (الدرجة الأولى: أب، أم، ابن، بنت؛ الثانية: أخ، أخت، جد، جدة، الأحفاد؛ الثالثة: عم، خال، عمة، خالة، أبناء الإخوة والأخوات). يُشترط ألا يعيد الموهوب له التصرف بالعقار لشخص لم يكن ليسري عليه الإعفاء لو تمت الهبة إليه مباشرة من الواهب الأول، وذلك لمدة ثلاث سنوات من تاريخ الهبة الأصلية.

التصرف لوقف أو لجمعية خيرية: يُعفى التصرف دون مقابل لوقف مسجل نظاماً، أو من/إلى جمعية خيرية مرخصة ذات نفع عام.

التصرف لجهة حكومية أو ذات نفع عام: وفقاً لشروط محددة.

نزع الملكية للمنفعة العامة: يُعفى نقل الملكية القسري للمنفعة العامة.

الوصية الشرعية الموثقة: يُعفى التصرف تنفيذاً لوصية شرعية موثقة.

تقديم العقار كحصة عينية في رأس مال شركة: بشرط عدم التصرف في الأسهم أو الحصص المقابلة للعقار لمدة خمس سنوات من التملك أو التأسيس. إذا كان التصرف من الشركة، يجب أن يكون العقار مثبتاً في أصولها قبل تاريخ سريان الضريبة وحتى تاريخ التصرف، مع تقديم قوائم مالية مدققة أو شهادة محاسب قانوني.

التصرف العقاري المؤقت كضمان تمويل: طالما لم يتم التنفيذ على العقار بنقل ملكيته نهائياً للممول.

رد العقار لمالكه السابق: نتيجة إلغاء التصرف الموثق، بالتراضي خلال 90 يوماً من التصرف الأصلي، مع استيفاء شروط أخرى.

إضافات وتعديلات نوعية في الإعفاءات:

  • عمليات الدمج والاستحواذ بين الأشخاص الاعتبارية:

الدمج: المقابل أسهم فقط في الكيان الدامج أو الناتج، تعكس حصص الملكية نسب ما قبل الدمج، والاحتفاظ بالأسهم المكتسبة 5 سنوات (ما لم يكن جزءاً من دمج لاحق مستوفٍ للشروط).
الاستحواذ: المقابل أسهم فقط في الكيان المستحوِذ، الاحتفاظ بالأسهم المكتسبة 5 سنوات، وتتم الصفقة مرة واحدة.

  • الاكتتاب العام وتداول الأوراق المالية للشركات العقارية:

1-إعفاء الاكتتاب في الأوراق المالية لشركة عقارية عند طرحها للاكتتاب العام.
2-إعفاء تداول الأوراق المالية للشركات العقارية المدرجة في سوق مالية مرخصة.
3-إعفاء تداول وحدات الصناديق الاستثمارية غير المدرجة، باستثناء نقل مصلحة مسيطرة (50% أو أكثر) في صندوق يعتبر شركة عقارية، خلال ثلاث سنوات من الوصول لنسبة السيطرة.

  • زيادة رأس المال في الشركات العقارية (بشروط): لا يعتبر امتلاك حصص جديدة ناتجة عن زيادة رأس المال تصرفاً خاضعاً إذا:

1-امتلك الشركاء الحاليون كل الحصص الجديدة مع الحفاظ على نسب ملكيتهم السابقة.
2-امتلك شركاء جدد الحصص الجديدة، بشرط احتفاظ الشركاء القدامى بحصصهم قبل الزيادة وعدم التصرف فيها لمدة خمس سنوات من تاريخ الزيادة.

  • التصرف العقاري الناتج عن أوامر بيع جبري: يشمل حالات التصفية بموجب نظام الإفلاس.
  • إعفاءات أكثر شمولاً للجمعيات الخيرية.

  • التصرف من شخص طبيعي لشركة أو صندوق يملكه بالكامل: بشرط عدم تغير نسبة ملكيته 5 سنوات.

  • التصرف بين شركات أو صناديق مملوكة بالكامل لنفس الشخص: بشرط عدم تغير ملكية الشخص 5 سنوات.


ملاحظة هامة: إذا أصبح التصرف المعفى سابقاً غير معفىً لعدم استيفاء الشروط، تصبح الضريبة مستحقة بأثر رجعي من تاريخ التصرف الأصلي، ويجب سدادها خلال 30 يوماً من تاريخ الإخلال بالشرط. يتطلب ذلك متابعة دقيقة ومخصصات مالية محتملة. حتى التصرفات المعفاة يجب تسجيلها لدى الهيئة، مع الاحتفاظ بكافة المستندات الثبوتية.

فن التقييم الضريبي: أسس تحديد وعاء الضريبة


يُعد تحديد وعاء الضريبة ركيزة أساسية. تُحسب الضريبة على قيمة العقار المتفق عليها، شريطة ألا تقل عن القيمة السوقية العادلة وقت التصرف. قيمة التصرف الخاضعة للضريبة لا تشمل تكلفة الأجل أو هامش الربح الضمني في حالات التمويل من جهات مرخصة.


للهيئة صلاحية مراجعة القيمة المصرح بها وإعادة احتساب الضريبة إذا كانت أقل من القيمة السوقية العادلة، وذلك لمدة ثلاث سنوات من تاريخ التصرف أو علم الهيئة به. حالات تستدعي تدخل الهيئة تشمل: التصرفات بين أشخاص مرتبطين، تقسيم المقابل بين العقار وأصول أخرى، المقابل غير النقدي، قيمة التصرف غير محددة، أو اشتباه التلاعب. يمكن تقديم تقرير تقييم من مقيم معتمد.

آليات تقييم خاصة:

  • نقل حصص في شركات عقارية: على أساس القيمة السوقية العادلة لعقارات الشركة مضروبة في نسبة الحصة المنقولة، أو القيمة المتفق عليها أيهما أعلى.
  • حقوق الانتفاع طويلة الأمد (>50 عاماً): على أساس القيمة الحالية للقيمة السوقية العادلة للحق، أو القيمة الحالية لإجمالي المقابل المتفق عليه، أيهما أعلى.
  • مشاريع البناء والتملك والتشغيل والتحويل (BOOT): على أساس القيمة السوقية العادلة للتصرف بتاريخ النقل الفعلي للملكية.


يُحظر أي إجراء يهدف لإنشاء تصرفات صورية أو مستترة للتهرب الضريبي؛ الضريبة تُحتسب على التصرف الحقيقي. الاعتماد على تقارير تقييم من مقيمين معتمدين أصبح ضرورياً، خاصة للمعاملات الكبيرة أو المعقدة.

مسار الامتثال الضريبي: من التسجيل الإلكتروني إلى السداد الآمن


يرتكز الامتثال على التحول الرقمي والكفاءة الإجرائية.

  • إلزامية التسجيل والسداد الإلكتروني: جميع التصرفات (خاضعة أو معفاة) يجب تسجيلها إلكترونياً عبر بوابة الهيئة. يتم السداد إلكترونياً قبل أو أثناء التوثيق. التعاملات الإلكترونية إلزامية منذ 10 أو 15 أبريل 2025م.
  • المسؤول عن سداد الضريبة: البائع (المتصرف) هو الملتزم الأساسي. يمكن تحميل المشتري (المتصرف إليه) مسؤولية تضامنية في حالات معينة (كأن يكون سبباً في عدم السداد أو ساهم في ترتيبات لتخفيض الضريبة).

تجنب المخاطر: فهم المخالفات والعقوبات


يهدف النظام لمكافحة التهرب الضريبي وضمان الامتثال عبر تحديد واضح للمخالفات والعقوبات.

أبرز صور التهرب الضريبي والمخالفات:

التهرب الضريبي:

  • تقديم مستندات أو معلومات مزورة، مصطنعة، أو غير صحيحة بقصد التهرب. عبء إثبات انتفاء القصد يقع على الخاضع للضريبة.
  • أي فعل آخر بقصد التهرب من سداد الضريبة.
  • القيام بتصرفات صورية أو مستترة لإخفاء حقيقة التصرف بهدف عدم السداد أو تخفيض الضريبة.

مخالفات أخرى:
  • التأخير في سداد الضريبة.
  • عدم تسجيل التصرف العقاري لدى الهيئة (حتى لو معفى).
  • عدم الاحتفاظ بالسجلات والمستندات المطلوبة لمدة 5 سنوات.
  • عدم التعاون مع موظفي الهيئة أو تمكينهم من أداء مهامهم.

انعكاسات التعديلات على ممارسات المحاسبة والاستراتيجيات العقارية

تمتد آثار التعديلات إلى الممارسات المحاسبية والمالية والاستراتيجيات العقارية.

تكيف الإجراءات المحاسبية والمالية:

  • التقييم الدقيق للأصول: بالقيمة السوقية العادلة مع توثيق منهجي.
  • محاسبة الإعفاءات المشروطة: تتبع الالتزام بشروط الإعفاء (مثل الاحتفاظ بالأسهم 5 سنوات)، وإنشاء مخصصات مالية لمواجهة الالتزامات المحتملة عند وجود مخاطر عدم استيفاء الشروط.
  • تسجيل المعاملات والضريبة: بدقة، كالتزام على البائع، أو ضمن تكلفة الأصل للمشتري في حالات خاصة.
  • التوفيق بين السجلات الضريبية والمالية: لضمان التطابق.
  • تطوير أنظمة الرقابة الداخلية: لضمان الامتثال ودقة الإقرارات والسداد والحفظ.

أهمية التخطيط الضريبي الاستباقي:

  • تحليل الآثار الضريبية للصفقات الكبرى وعمليات إعادة الهيكلة قبل التنفيذ.
  • السعي للاستفادة القانونية من الإعفاءات المتاحة.
  • هيكلة المعاملات لتقليل العبء الضريبي ضمن القانون وتجنب الترتيبات الصورية.

توثيق المعاملات بشكل دقيق وشامل:

حفظ جميع المستندات لمدة لا تقل عن 5 سنوات، وتوثيق أساس تقييم القيمة السوقية العادلة وكيفية استيفاء شروط الإعفاء.

التأثير على تقييم الاستثمارات وهيكلة الصفقات:

  • إدراج الضريبة كعامل مؤثر وتكلفة أساسية في دراسات الجدوى.
  • قد تؤثر على قرارات البيع والشراء وتوقيتها وهيكلتها.
  • زيادة أهمية الاستعانة بمستشارين ضريبيين متخصصين.

دور المحاسب أصبح يتطلب فهماً عميقاً للتشريعات وقدرة على تقديم استشارات استراتيجية. تعقيد النظام، خاصة فيما يتعلق بالشركات العقارية وقاعدة الـ 30% والإعفاءات المشروطة، يتطلب خبرة محاسبية وضريبية متخصصة.

نظرة استشرافية: مراجعة النظام المرتقبة وآفاق التطوير

النظام الحالي ليس جامداً، فالبيئة الاقتصادية والتشريعية ديناميكية.

  • مراجعة آلية احتساب الضريبة بعد ثلاث سنوات:

من أبرز الملامح توجيه هيئة الزكاة والضريبة والجمارك بمراجعة آلية احتساب الضريبة بعد ثلاث سنوات من نفاذ النظام. ستشمل المراجعة مدى مناسبة احتساب الضريبة على أساس شرائح أو فئات مختلفة (حسب استخدام العقار وموقعه الجغرافي). يشير هذا إلى مرونة النظام وقابليته للتكيف.

  • أهمية البقاء على اطلاع بالتوجيهات والأدلة الإرشادية:

تصدر الهيئة أدلة ونشرات وقرارات توضيحية لمساعدة المكلفين. يجب على المحاسبين والمهنيين متابعة موقع الهيئة بانتظام.

النص على مراجعة آلية الاحتساب يؤكد أن النظام أداة سياسة اقتصادية ديناميكية يمكن تكييفها لتحقيق أهداف أوسع. قد تُستخدم نتائج المراجعة لتحفيز قطاعات معينة أو تنظيم أخرى.

خاتمة: نحو فهم أعمق وامتثال أفضل

أحدث نظام ضريبة التصرفات العقارية الجديد تحولاً هاماً في المشهد الضريبي العقاري السعودي. يهدف النظام لتعزيز الشفافية، تحقيق العدالة الضريبية، ودعم الاستثمارات المنظمة، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030. في ظل هذه التطورات، يتعاظم الدور المحوري للمحاسبين والمستشارين الضريبيين كخط دفاع أول وشركاء نجاح في فهم تعقيدات النظام، ضمان الامتثال، تجنب المخاطر، وتقديم النصح الاستراتيجي. الإلمام بتفاصيل هذه الأنظمة هو حجر الزاوية للنجاح في بيئة الأعمال

تابعنا على فيسبوك

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *