مركز مستقبل المحاسبة

كيف غيّر نظام ضريبة التصرفات العقارية قواعد السوق العقاري في السعودية بعد 2024؟

نظام ضريبة التصرفات العقارية

مقدمة: تحوّل استراتيجي في بنية النظام الضريبي العقاري

شهدت المملكة العربية السعودية في عام 2024 تحولاً جذرياً في طريقة تنظيم وضبط السوق العقاري من خلال صدور نظام ضريبة التصرفات العقارية الجديد، بموجب المرسوم الملكي رقم (م/84) واللائحة التنفيذية المصاحبة له، والذي بدأ تطبيقه الفعلي في أبريل 2025. يمثل هذا النظام مرحلة نضج تشريعي، ويُعد أحد مكونات استراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى تحقيق الشفافية، وتحسين الامتثال، وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن الاعتماد على النفط.

1. تغييرات تشريعية جوهرية: من تنظيم أولي إلى نظام متكامل

جاء النظام الجديد ليمنح قوة قانونية صلبة للأحكام الضريبية، مقارنة بالمرحلة السابقة التي اتسمت بتنظيمات انتقالية. وقد تزامن ذلك مع التحول الرقمي الإجباري في تسجيل وتوثيق جميع التصرفات العقارية عبر المنصة الإلكترونية الخاصة بهيئة الزكاة والضريبة والجمارك، مما يعزز من قدرة الدولة على ضبط التعاملات، وتقليص فرص التهرب الضريبي، وتحقيق العدالة بين جميع المتعاملين في السوق.

2. مفاهيم جديدة وإعادة تعريف للعقار

من أبرز ملامح التغيير أن النظام الجديد أعاد تعريف “العقار” ليشمل:

  • الأراضي والمباني.
  • المنقولات المستخدمة بشكل دائم لخدمة العقار (مثل تجهيزات الفنادق).
  • الحقوق العينية كحق الانتفاع والتصرفات المرتبطة.

هذا التوسع في التعريف يفرض على المحاسبين تقييمًا دقيقًا ومتكاملاً للصفقات العقارية، وعدم الاكتفاء بحصر القيمة في الأرض والمبنى فقط.

3. قاعدة الـ30% ونطاق الشركات العقارية

أدخل النظام مفهوم “الشركة العقارية” وحدد أن أي شركة تمتلك عقارات تتجاوز قيمتها 50% من أصولها الإجمالية تُعتبر خاضعة للضريبة عند نقل الأسهم.

وأهم ما جاء به النظام:

  • قاعدة 30%: إذا نقلت ملكية 30% أو أكثر من أسهم شركة عقارية خلال 3 سنوات، تُحتسب الضريبة.
  • تُحتسب النسبة بشكل تراكمي، ويُنظر إلى “التصرفات المرتبطة” و”التصرف بالاتفاق” لمنع التحايل.
  • هذه الأحكام تفرض على المحاسبين نظام رقابة دقيقة على نسب التملك والتحويلات في الشركات ذات الهياكل المعقدة.

4. خارطة الإعفاءات الجديدة: توسّع وتقييد في آنٍ واحد

النظام الجديد وسّع من قائمة الإعفاءات، لكنه وضع شروطًا دقيقة للالتزام بها، منها:

  • المسكن الأول للمواطن: إعفاء حتى مليون ريال بشروط.
  • الهبات بين الأقارب حتى الدرجة الثالثة مع منع إعادة التصرف خلال 3 سنوات.
  • عمليات الدمج والاستحواذ بشرط أن يكون المقابل أسهماً فقط، والاحتفاظ بها لـ 5 سنوات.
  • تقديم العقار كحصة عينية بشرط عدم التصرف بالأسهم المقابلة لمدة لا تقل عن 5 سنوات.
  • التصرف لجهات خيرية أو حكومية.
  • التصرف الناتج عن أوامر قضائية أو إفلاس.

لكن الأهم، أنه في حال الإخلال بأي من الشروط لاحقًا، تُفرض الضريبة بأثر رجعي، مما يتطلب رقابة محاسبية صارمة ومستمرة.

5. القيمة السوقية العادلة: حجر الزاوية في التقييم

النظام يفرض الضريبة على القيمة السوقية العادلة للعقار، لا على القيمة التعاقدية فقط. وتمتلك الهيئة صلاحيات واسعة لإعادة تقييم أي صفقة خلال ثلاث سنوات. في المقابل، يستطيع الأطراف تقديم تقرير تقييم من مقيم مرخّص لإثبات القيمة المصرح بها.

وهذا يعني:

  • الحاجة لتقارير تقييم مهنية.
  • تحديات تقنية في تقييم حقوق الانتفاع طويلة الأمد أو عقارات متعددة ضمن محفظة استثمارية.

6. التزامات السداد والتسجيل الإلكتروني

  • أصبح السداد الإلكتروني إلزاميًا قبل التوثيق.
  • البائع هو المسؤول عن السداد، لكن في بعض الحالات يُحمّل المشتري المسؤولية تضامنيًا.
  • يجب سداد الضريبة خلال 30 يومًا من التصرف أو التوثيق، أيهما أسبق.
  • حتى التصرفات المعفاة يجب تسجيلها.

7. المخالفات والعقوبات: حوكمة صارمة

حدد النظام عقوبات صارمة:

  • التهرب الضريبي: غرامة تصل إلى 3 أضعاف الضريبة.
  • التأخير في السداد: غرامة 2% شهريًا (بحد أقصى 50%).
  • إخفاء التصرفات أو تقديم بيانات غير صحيحة: مسؤولية إثبات حسن النية تقع على المكلف.

8. التأثير على المحاسبة والاستراتيجيات المالية

هذه التعديلات تفرض تغيرات في:

  • سياسات المحاسبة الداخلية.

  • تقييم الأصول وربطها بمنقولات مخصصة للعقار.

  • احتساب احتمالات الإخلال بشروط الإعفاء وإنشاء مخصصات لها.

  • مراعاة الضريبة عند اتخاذ قرارات استثمارية أو إعادة هيكلة.

دور المحاسب اليوم أصبح استراتيجيًا، يتعدى تسجيل العمليات إلى تقديم استشارات استباقية حول جدوى الصفقات وهيكلتها.

9. مراجعات مستقبلية: هل يتغير النظام مجددًا؟

نصّ النظام على مراجعة آلية احتساب الضريبة بعد 3 سنوات من التطبيق، ما يفتح الباب لتغييرات قادمة قد تشمل:

  • فرض شرائح ضريبية حسب نوع العقار (سكني – تجاري – زراعي).
  • تكييف الآلية حسب الموقع الجغرافي.

خاتمة: نحو فهم أعمق واستعداد أقوى

لقد أدخل نظام ضريبة التصرفات العقارية بنسخته الجديدة بنية ضريبية متطورة تُحمّل المكلفين – أفرادًا وشركات – مسؤوليات محاسبية كبيرة. ولضمان الامتثال وتجنب المخاطر والغرامات، يحتاج المحاسبون والمستشارون القانونيون إلى فهم معمق وتحليل دقيق لجميع تفاصيل النظام.

ولأن التطوير المستمر هو مفتاح النجاح في هذه البيئة، ندعوك للانضمام إلى برنامج “نظام ضريبة القيمة المضافة والتصرفات العقارية في ضوء التشريع والتطبيق”، المصمم خصيصًا لتأهيلك لاجتياز اختبار أخصائي ضرائب بكفاءة، ومساعدتك في تطبيق أحدث الممارسات المهنية في المحاسبة والضرائب.

تابعنا على فيسبوك https://fatc.sa/

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *