إدارة التدفق النقدي: الفرق بين مشروع يستمر وآخر يتعثر
خلونا نكون صريحين، كثير من رواد الأعمال وأصحاب المشاريع في سوقنا، سواء كانت صغيرة أو متوسطة، يركزون على شي واحد: كم الربح؟ وهذا طبيعي ومهم أكيد. لكن فيه مفهوم ثاني، يمكن أهم من الربح نفسه في كثير من الأحيان، وهو اللي يحدد إذا المشروع بيكمل أو بيوقف فجأة، حتى لو كان على الورق “ربحان”. هذا المفهوم هو إدارة التدفق النقدي.
وش يعني فعلاً “إدارة التدفق النقدي”؟
ببساطة شديدة، إدارة التدفق النقدي تعني متابعة وفهم حركة “الكاش” (الفلوس السايلة) اللي تدخل مشروعك واللي تطلع منه، والتأكد إن عندك سيولة كافية في الوقت المناسب عشان تغطي التزاماتك.
تخيلها مثل خزان مويه لمشروعك. المويه اللي تدخل هي الكاش اللي يجيك من العملاء، والمويه اللي تطلع هي اللي تدفعها للموردين، الإيجار، الرواتب، المصاريف التشغيلية، وحتى أقساط القروض والضرايب. إدارة التدفق النقدي هي إنك تتأكد إن الخزان ما يفضى فجأة، حتى لو عندك وعود بدخول مويه (فلوس) بعدين.
ليش هي أخطر من مجرد “كم ربحنا؟”
الربح شي مهم، لكنه ينحسب على الورق. ممكن تبيع بضاعة بمليون ريال وتحقق ربح 200 ألف ريال، لكن إذا العملاء اللي بعت لهم ما دفعوا لك “كاش” إلا بعد 6 شهور، وأنت عندك رواتب وإيجار ومصاريف تدفعها كل شهر، هنا تصير المشكلة. مشروعك “ربحان” على الورق، لكن ما عنده “كاش” يغطي مصاريفه اليومية. هذا بالضبط اللي يخلي شركات تبدو ناجحة فجأة تعلن تعثرها. الكاش هو الأكسجين اللي يتنفسه البزنس يوم بيوم.
أخطاء شائعة في سوقنا تخرب حسبة التدفق النقدي:
- الخلط بين الربح والكاش: هذا هو الخطأ الأم. تشوف صاحب المشروع فرحان بالأرباح في القوائم المالية، وينسى يتابع متى الفلوس هذي بتدخل فعلاً في الحساب.
- إهمال التوقع (Forecasting): عدم وجود خطة بسيطة تتوقع كم الكاش اللي بيدخل وكم اللي بيطلع الشهور الجاية. هذا يخليك تتفاجأ بمصاريف كبيرة (مثل دفعة ضريبة القيمة المضافة، أو قسط قرض) وما عندك سيولة تغطيها.
- سوء إدارة تحصيل الفواتير: التساهل مع العملاء في مواعيد الدفع. نشوفها كثير في قطاعات مثل المقاولات أو الخدمات، تتأخر المستخلصات والمدفوعات شهور، والمشروع يدخل في ضائقة سيولة رغم إن عنده مستحقات كبيرة برا.
- عدم التوازن في دفع المستحقات للموردين: يا إما تدفع للموردين بدري زيادة عن اللزوم وتضغط سيولتك بدون داعي، أو تتأخر عليهم وتخرب علاقتك فيهم وممكن يوقفون توريد لك أو يرفعون أسعارهم عليك.
- تكديس البضاعة أو التوسع غير المدروس: شراء بضاعة أكثر من الحاجة الفعلية للسوق، خصوصاً في المواسم (مثل رمضان أو العودة للمدارس)، يجمد فلوسك في المخزون. نفس الشيء ينطبق على شراء أصول أو معدات غالية بدون تخطيط لتأثيرها على الكاش.
- عدم الانتباه للموسمية: كثير من المشاريع في السعودية تتأثر بالمواسم (رمضان، الأعياد، الصيف، الشتاء). عدم التحضير الكافي لفترات الركود أو فترات المصاريف العالية ممكن يسبب أزمة سيولة مفاجئة.
كيف الإدارة الصح للتدفق النقدي تصنع الفرق؟
لما تدير تدفقك النقدي صح:
- قراراتك تصير أفضل: تعرف متى تقدر تتوسع، متى تقدر تشتري بضاعة، متى تحتاج تمويل، ومتى لازم تمسك فلوسك شوي.
- تكون جاهز للطوارئ: لو صار تباطؤ في السوق أو واجهتك مشكلة غير متوقعة، وجود كاش إضافي يحميك.
- تقدر تستفيد من الفرص: مثل خصومات كبيرة من الموردين للدفع الفوري، أو فرصة استثمارية سريعة.
علاقتك مع الموردين والبنوك تصير أقوى: لأنهم يثقون بقدرتك على الوفاء بالتزاماتك.
مثال من واقع السوق:
مطعم مشهور وشغله ماشي تمام وأرقام مبيعاته عالية (يعني ربحان). لكن صاحب المطعم كان يتوسع بسرعة ويفتح فروع جديدة، ويدفع إيجارات وديكورات ومعدات غالية “كاش” أو بشيكات آجلة قصيرة، معتمدًا على المبيعات المستقبلية. فجأة، تأخر توريد بعض المواد الأساسية بسبب مشكلة مع مورد، وصادف فترة موسمية أبطأ من المتوقع. النتيجة؟ المطعم ما قدر يغطي تكاليف تشغيل فروعه الجديدة ورواتب الموظفين في وقتها، ودخل في مشكلة سيولة حادة رغم أن مبيعاته الإجمالية كانت جيدة. لو كان عنده إدارة وتوقع أفضل للتدفق النقدي، كان ممكن يتوسع بشكل أبطأ أو يجهز سيولة احتياطية تغطي مثل هذه الظروف.
الخلاصة:
إدارة التدفق النقدي ما هي مجرد أرقام للمحاسبين. هي قلب البزنس النابض. فهمك لحركة الكاش في مشروعك هو اللي يخليك تقدر تبني مشروع مستدام وقادر على النمو ومواجهة تحديات السوق السعودي المتغيرة. لا تخلي الأرباح الورقية تعميك عن الواقع النقدي.
هل حسيت إن هذي المفاهيم مهمة وتبي تتعمق فيها أكثر بلغة بسيطة وعملية، حتى لو ما عندك أي خلفية محاسبية؟
للمهتمين بفهم أعمق للمبادئ المالية الأساسية اللي تدير أي بزنس ناجح، ندعوكم للانضمام لدورتنا “المحاسبة لغير المحاسبين”. الدورة مصممة خصيصاً لرواد الأعمال، المدراء، وأي شخص يحتاج يفهم الأرقام اللي تحرك مشروعه بدون تعقيدات المحاسبة التقليدية.